وسئل عمن قال لزوجته :” هي حرام عليه كما حرمت مكة على اليهود” فما يترتب على القائل لذلك؟
فأجابه بما نصه : الحمد لله ، هذه الصيغة لم يعددها الفقهاء من ألفاظ الكنايات ، لا الظاهرة ولا الخفية ، وقد سمعت مشافهة من بعض العلماء ( وهو الأستاذ الشيخ الطاهر بن العبيدي رحمه الله ) أنها مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، وفيه نظره وقد اختلف العلماء في الحرام فمنهم من قال : يلزم فيه الثلاث ، ومنهم من قال واحدة بائنة ، قال العلامة الدسوقي :” والحاصل أن كلا من القولين معتمد والأيسر أن يفتى بطلقة بائنة يحدد العقد بشروطه ويمسك زوجته حيث كان القول بهذا معتمد أيضا .
ـ وسئل عن شروط الطلاق السني ، هل شروط صحة أو كمال ؟ وهل يقع الطلاق البدعي ويعتد به أم لا ؟ وعن رسالة الإمام الصنعاني وقوله فيها اتفقوا على السند مرفوع ، وما هو سبب الخلاف في المسألة المذكورة ، وفيها حديث واحد لابن عمر ؟
فأجاب بما نصه : الحمد لله ، وصف الطلاق السني أن يكون في طهر لم يمس فيه ، طلقة واحدة غير مبعض ولا متعدد ، والمراد بالسنة الطريقة المأذون فيها شرعا لا السنة التي يثاب فاعلها إذ لا ثواب في الطلاق ، بل هو أبغض الحلال إلى الله كما في الحديث و لا خلاف في وقوع الطلاق البدعي وإنما الخلاف في وقوع الإثم على فاعله ، وقد بوب البخاري على وقوعه في صحيحه حيث قال : باب إذا طُلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق ، بدون ولي إشارة إلى خلاف في ذلك ، وساق حديث ابن عمر في طلاق امرأته وهي حائض مرة فليراجعها ، ونص مسلم في صحيحه على احتساب تلك التطليقة ، حيث قال : ” وحسبت لها التطليقة التي طلقتها ” وفي شرح الأبي على مسلم أن ابن عمر سئل : هل أعددت طلقة فقال :” مالي لا اعتد بها ” والأمر بالمراجعة في تلك الأحاديث ، يفيد بمفرد وقوع الطلاق فكيف وقد صحت في الأخبار في احتساب الطلقة . قال الخطابي ” القول بعدم الطلاق البدعي قول الخوارج والروافض ، وقال ابن عبد البر لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال ، وقال الحافظ ابن حجر فالمخالف بعد الإجماع منابذ له ، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق ، وقال الباجي في ” المنتقى ” ويعتد عليه بالطلاق الذي يوقعه في الحيض رجعيا كان أو بائنا خلافا لمن لا يعتد بخلافهم وهو : هشام ابن عبد الملك و ابن علية و داود ، والدليل على ما نقوله قوله تعالى } الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان { وقوله عز وجل } فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره { ، فلم يفرق بين أن يكون الطلاق في حال حيض أو طهر فوجب أن يحمل على عمومه قال :” ودليلنا من السنة هو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه عبد الله بمراجعة زوجته التي طلقها ، وهي حائض قال القاضي لأبو محمد ففي الحديث أدلة ، أحدها أنه صلى الله عليه وسلم قال مرة فليراجعها ، وهذا لا يستعمل إلا بالطلاق الذي يعتد به ، ووجه آخر وهوالسنة قال : فحسبت من طلاقها و الذي كان يحتسب به في ذلك الزمان ، إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أستشير في المسالة وأعتد فيها بما امتثل فمحال أن يعتد بها عبد الله طلقة من غير أمره صلى الله عليه وسلم . وفيه الكفاية لمن حفته العناية ورغب في الهداية أما رسالة الإمام الصنعاني فلم أرها ، وفيما ذكرته لكم ما يعرفكم قيمتها وقيمة مؤلفها وأما قوله ( أي الصنعاني ) حسبما ذكرتم أنه ليس في المرفوع ما يشير إلي الاعتداد بتطليق ابن عمر المذكورة إذ لم ينبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحتسب تلك التطليقة فقد عرفت أن القائل لذلك ( أي الاعتداد بالتطليقة المذكورة ) هو ابن عمر نفسه صاحب القضية كما في صحيح مسلم ، ولا يقول ذلك من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع كما نص عليه أصحاب الشأن ، و أما سبب الاختلاف فهو : هل الشروط التي اشترطها الشرع في الطلاق السني هي شروط صحة و إجزاء وليست شروط تمام وكمال ، فمن قال : شروط الصحة وإجزاء قال لا يقع الطلاق الذي عدم هذه الصفة ، ومن قال هي شروط تمام وكمال قال يقع ، وهذا القول هو الذي حكى غير واحد الإجماع عليه . هذا ، ومن أراد أن يحصن دينه فليتبع الأقوال المعتمدة المتينة ، ولا سيما قول عالم المدينة سيدنا مالك بن انس رضي الله تعالى عنه وعن سائر العلماء .